محرة أمل
في محاولة أخيرة للفكاك من الجلبة والضجيج هنا في الداخل من الذات ، في مجرتي أمنح نفسي الحرية لأطلق سراح مخيلتي وأفكاري .. فمرحبا بكل الأنسانيين في فضاءات مدونتي
في حديث شيق جمعنا حول شخصية " شهرزاد " ، تلك الشخصية الأسطورية الخيالية ، التي تتمتع بصفات أنثوية خارقة ، فهي ذات مال وجمال وغنج و دلال وثقافة وأدب ، وحسب ونسب وحكمة تستدعي عجب ، نموذج لامرأة تتجلى عبقريتها في ترويض فحولة ثائرة منتقمة ، بأسلوب لا يخالف طبيعتها النسوية ، وجدته يقفز فجأة ليكلمني عن نزار قباني ، مرددا لأعذب قصائده في المرأة وحب المرأة ، ملقيا لها تارة ، ومغنيا لها تارة أخرى ، مندهشا أمام اللغة السهلة الممتنعة وما يغلفها من عذوبة ورقة وحب يتفصد من الكينونة وجذور الإحساس ، استعذبت حديثه عن نزار ، فوجدتني معه أردد روائعه وأنا استطعم حلاوة النص كقطعة شوكلاته ، لا تتمالك نفسك بمجرد أن تنتهي منها إلا أن تقول عنها : " لذيذة ، لذيذة جدا ، كيف صنع نزار هذا ؟" ، قصائد مجنونة ومتوحشة ورومانسية وفاضلة وعربيدة ومقامرة ، تجعلك تجوب في غنائياته لتستلهم الحب من كل الأشياء والموجودات التي تحيط بك ( من فناجين القهوة ، وقطع السكر ، وأطواق الياسمين ، وأضواء السيارات ، ومن قطرات المطر والقطارات ، ومن أسراب الحمام والطواويس والعنادل ، ومن اللوز والخوخ الأحمر والزيتون وقطع الحلوى ، ومن لعب الأطفال والهدايا ، ومن محابر الأقلام والدفاتر ، من الصحف والجرائد ،ومن كل الفصول ) وكأنها نوتات موسيقية مرتبة لسيمفونيات نزارية خالصة ، تجوب بك في المدن والشوارع والقارات والعواصم والممالك وبلاطات السلاطين والتواريخ والأحداث الكبرى بلغة لا تعرف في أي عمر هي ، أفي مرحلة طفولتها أم شبابها أم شيخوختها ، بروح أرضية تتطلع إلى أفق الحضارات والسمو والارتفاع إلى الأعلى ، إلى أعلى نقطة يمكن أن تصل إليها بشريتنا المتناقضة والمتضادة .
(برغم جميع خلافاتنا
برغم جميع قرارتنا
بأن لا نعود
برغم العداء .. برغم الجفاء
برغم البرود .. برغم انطفاء ابتسامتنا
برغم انقطاع خطاباتنا
فثمة سر خفي
يوحد ما بين أقدارنا )
قلت له بعد جلسة مطولة في الحديث عن نزار : بأني درويشية النزعة والخطاب ، ومع إعجابي الشديد بالنزاريات إلا أني درويشية التوجه ، حيث الكون والإنسان والأبدية هو الثيمة الأساسية في الرؤية الشعرية لمحمود درويش ، ينسج شعريته من الأفق الرحب والفضاء اللامتناهي واللائنتماءات ، فلا تعرف لشعره وطنا ولا جنسية ولا مستطيلات ولا مربعات ولا دوائر ولا حدود ، سفر طويل لا ينتهي عند عتبات الأشياء ومعانيها الظاهرة المعبئة بالعواطف ، لغة لا تكتب الشعر ، ولكن الشعر يكتبها ويترصدها ، المعنى فيها محتمل الحضور والغياب والاقتراب والابتعاد ، لغة فريدة وغريبة التصنيع عن موطنها ،لغة تبتعث الألوان والاشتمامات ، تتيهه بين الغابات والأنهر والسماوات والأفلاك والنجوم والفراشات والحلم والبحر والرمل و الكمنجات والليل ، تتداخل فيها الأزمنة لتتنقل بين أمسها وحاضرها ومستقبلها حرة من غير قيود ، لها مسحة التراتيل والقداس ، منبعها حكمة الوجود والولادة والعدم ، ليكتب لها ألا تنتهي ، وتبقى جداريات محمود خالدة .
من ديوانه الأخير ( لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي ) :
( لاعب النرد )
( من أنا لأقول لكم / ما أقول لكم / وأنا لم أكن حجرا صقلته المياه / فأصبح وجها / ولا قصبا ثقبته الرياح / فأصبح نايا .... / أنا لاعب النرد ، أربح حينا وأخسر حينا / أنا مثلكم / أو أقل قليلا ... / ولدت إلى جانب البئر / والشجرات الثلاث الوحيدات كالراهبات / ولدت بلا زفة وبلا قابلة / وسميت باسمي مصادفة / وانتميت إلى عائلة مصادفة / وورثت ملامحها والصفات وأمراضها : أولا – خللا في شرايينها ، وضغط دم مرتفع / ثانيا – خجلا في مخاطبة الأم والأب والجدة – الشجرة / ثالثا – أملا في الشفاء من الانفلونزا بفنجان بابونج ساخن / رابعا- كسلا في الحديث عن الضب والقبرة / خامسا – مللا في ليالي الشتاء / سادسا – فشلا فادحا في الغناء ... / كان يمكن أن لا أكون / كان يمكن أن لا يكون أبي / قد تزوج أمي مصادفة / أو أكون / مثل أختي التي صرخت ثم ماتت / ولم تنتبه / إلى أنها ولدت ساعة واحدة / ولم تعرف الوالدة ) .......
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
تحية طيبة...
سعدت بزيارة تلك المدونة الثقافية المتنوعة للمرة الاولى...اتمنى لها الاستمرارية والنجاح...
دمتي بود...