محرة أمل

في محاولة أخيرة للفكاك من الجلبة والضجيج هنا في الداخل من الذات ، في مجرتي أمنح نفسي الحرية لأطلق سراح مخيلتي وأفكاري .. فمرحبا بكل الأنسانيين في فضاءات مدونتي



عبادة الجسد ( من الفصل الثالث لكتاب " فخ الجسد " للدكتورة منى فياض ) دراسة مستفيضة وعميقة في أحوال الجسد .


المرآة

تحمل المرآة خطرا مبهما عبرت عنه الكثير من الآساطير . هناك دور المرآة السحرية في حكاية بياض الثلج ، المرآة المسحورة التي تظهر وتقيس تفرد جمال مالكتها وتساعدها على احتكار هذا الجمال والاحتفاظ به إلى حد ارتكاب جريمة قتل . وسبق لتريزياس أن قال : " يعيش الطفل بشكل أفضل عندما لا ينظر إلى نفسه " تقول الأسطورة أيضا أن نرسيس في غفلته عن مدى حسنه تجاهل النساء والحوريات اللواتي أغواهن جماله فعشقنه ، حتى إن إحداهن ( إيكو ) أصابتها الأنوريكسيا وتضاءل جسمها حتى إضمحل ، وحده صوتها استطاع البقاء . تكفلت الفتيات الساخطات وآلهتهن عقاب نرسيس الذي قلب نظام الأشياء وهرميتها الضرورية ، فجعلنه يتمارى في نبع رقراق ، مما جعله يحب نفسه حتى الموت ، كان هذا قبل اختراع المرآة ربما والتي تجهد الأساطير في تبيان مخاطرها ، وتشير أسطورة إغريقية أخرى إلى خطر خداع المرآة بالتحديد محذرة من حيلة في مرآة ديونيسوس حيث الكائن الواحد يفقد وحدته عند تماريه بها ويتيه إعجابا بنفسه وينجذب إلى غواية انعكاس صورته التي " تدوبله " وتجعله اثنين ، وبينما يفحص مظهره الكاذب في انعكاس المرآة يسقط انعكاسه في غير نفسه ، ينقسم اثنين يتأمل نفسه لكن ليس حيث هو ومن حيث ينظر بل في مظهر كاذب لنفسه المتموضعة في غير الانعكاس الخادع للمرآة ، يؤدي ذهوله عن نفسه إلى تشظيه وتذرره فيجد نفسه متعددا حتى اللانهاية في الآف من الانعكاسات ، ما الذي تعلمنا إياه هذه الأساطير ؟ الكثير طبعا ، لكن ما يهمنا في هذا المقام أن النظر إلى الذات لم يكن متوفرا وشائعا وأنه قد يؤدي إلى التهلكة . تكتسب العناية بالجسد محورا مهما في الحياة الخاصة أو الحميمة التي تطبع حياتنا الراهنة ، ونبحث عبرها عن مكافآت متنوعة ومعقدة : لذة الاستحمام ، العناية بالنظافة التي تحمل لنا بعض الاشباع النرجسي وأن نتأمل أنفسنا في المرآة . تأمل صورة الذات لم يعد امتيازا خاصا وربما يتطلب الأمر دراسة مفصلة لكيفية انتشار استخدام المرآة والتي يرجح أنها لعبت دورا في تاريخ النظرة الملقاة على الذات . الحلاق وحده امتلك مرآة حقيقية في القرى في القرن التاسع عشرة مقتصرة على الاستخدام الذكوري . وسرعان ما ساهم الباعة المتجولون في انتشار المرآيا الصغيرة كي تستطيع انساء والفتيات تأمل وجوههن ، لكن ظل الريف والمدن الصغيرة والمساكن المتوسطة والفقيرة تجهل المرايا التي تظهر القامة بكاملها ، وظلت الهوية الجسدية تقرأ عند الفلاحين في أعين الآخرين وتستوحى عبر الانصات الداخلي ، يستدعي هذا السؤال التالي : كيف أمكن العيش في جسدلم نره في أصغر وأدق تفاصيله ؟ من هنا يمكن أيضا أن نفهم الممنوعات التي تثقل على استخدام المرآة في الأوساط الريفية : عدم السماح للطفل بالنظر إلى المرآة أو عدم ترك المرآة مكشوفة بعد وفاة . في الأوساط المرتاحة ظل ممنوعا على الفتاة الشابة أن تنظر إلى نفسها عارية في المرآة ، حتى ولو عبر انعكاسها في مياه البانيو . ومن هنا استخدم نوع من البودرة التي تجعل المياة عكرة ، وغير صالحة لمثل هذا الاستخدام الخطر ، إذ يتوجب ضبط الإثارة الايروسية التي تشكلها صورة الجسد مع إن هذا المنع كفيل بتهييجها . لذلك لجأ المجتمع الراقي الذي تسلطت عليه هذه الصورة إلى تكديس المرايا في مواخيره ، وذلك قبل أن تنتشر المرايا الكبيرة على باب خزانة ملابس العروسين بشكل متأخر نسبيا .

تستعمل النساء المرآة لبعث إشعاع جمالهن ولتأمل جاذبيتهن المتألقة وسحر نظراتهن . نستعمل المرآة كي نرى أنفسنا للتعرف إليها بالتحديق فيها . والتماري هو إسقاط صورتنا تجاه أنفسنا بشكل مباشر ، ازدواجنا في صورة نتأملها كما يفعل شخص آخر عالمين أننا نفعل ذلك . ليس من وسيلة أخرى تسمح لنا بالقبض على أنفسنا في تفرد هيئتنا سوى هذه المقابلة وجها لوجه أمام المرآة حيث ننظر إلى أنفسنا ناظرين إليها . إن رؤية الوجه في المرآة تسمح بمعرفة الذات كما يعرفها الآخرون : وجها لوجه ، متعاكسي النظرات ندخل أنفسنا بعكس أنفسنا هذه إلى خارجنا ، بجعلها غرضا وعلى شاكلة آخر .

أوجد انتشار هذه الأداة المسببة للتجاذب في نهاية القرن التاسع عشر تنظيما جديدا للهوية الجسدية ، واستحدث علم النفس مرحلة جديدة في تطور أعمار الطفل النفسية : مرحلة المرآة . فالصورة في المرآة جزء من الذات خارج الذات . هناك صلة بين صورتي في المرآة وبين أنا نفسي ، لكن البشر أشباهي الذين هم خارج نفسي أليسوا صورة عني أنا نفسي ؟

المرآة لم تعد جديدة أو مستحدثة بل على العكس صارت مبتذلة . لكنها بالمقابل سمحت لنا بأن ننظر إلى أنفسنا ليس فقط كما ينظر إلينا الآخرون وكي نرى مدى ملاءمة للقواعد المتبعة بل صرنا نرى أنفسنا كما لا نسمح للآخرين بالنظر إلينا : من دون ماكياج أو مساحيق أو عراة من دون ملابس . رسم الجمال لنفسه قامة جديدة في المرآة الكتومة . وسوف تسمح المرآة الكبيرة بانبعاث جمالية النحافة وترشد أنظمة الحمية في معابر جديدة







الحب الآلهي ( موسوعة الحضارات )





نشأ مصطلح " الحب الآلهي " بمعناه القريب في الحياة الروحية في الإسلام في القرن الثاني الهجري ، وقد كانت الحياة قبل ذلك يحركها عامل " الخوف " من الله ومن عقابه ، وكان " الحسن البصري أبرز ممثلي هذا الطور في حياة الزهاد والعباد الأوائل ، فقد عرف عنه أنه كان يبكي من خوف الله حتى قيل " كأن النار لم تخلق إلا له " ، ويميل مؤرخو التصوف الإسلامي إلى القول بأن رابعة العدوية هي أول من أخرجت التصوف من الخضوع لعامل " الخوف " إلى الخضوع لعامل " الحب " ، وإنها أول من استخدمت لفظ " الحب " استخداما صريحا في مناجاتها وأقوالها المنثورة والمنظومة ، وعلى يديها ظهرت نظرية " العبادة " من أجل محبة الله ، لا من أجل الخوف من النار أو الطمع في الجنة ، وكان الصوفية قبل رابعة يترددون في قبول كلمة الحب ، فمالك بن دينار الصوفي ، كان يتحاشى لفظ " الحب " ويستخدم بدله كلمة " الشوق " ، ، وعبد الواحد بن زيد كان يفضل كلمة " العشق " في أقواله ، ومع رابعة بدأت كلمة أو مصطلح " الحب الألهي " تأخذ مكانها في أقوال الزهاد ممن جاؤا بعدها مثل : معروف الكرخي ، والمحاسبي ، والذي خصص لموضوع " المحبة " فصلا كاملا في كتابه " الرعاية " ، وذي النون المصري الذي فاضت مأثوراته بهذه الكلمة ، ثم استكملت نظرية الحب الألهي ملامحها وقسماتها بعد ذلك في مؤلفات كبار شيوخ المتصوفين مثل : التعرف للكلاباذي ، وقوت القلوب لأبي طالب المكي ، وكشف المحجوب للهجويري ، والرسالة للقشيري ، وإحياء علوم الدين للغزالي ، ولكنها أخذت أبعادا عرفانية وفلسفية بالغة التعقيد ظهرت أولا في تصوف الحلاج ، ثم اكتملت في أشعار ابن الفارض ، ومؤلفات الشيخ الأكبر ابن عربي ، وقد جمع القشيري في رسالته تعريفات عديدة لمعنى " المحبة الألهية " كما أحصى ابن القيم في مدارج السالكين ثلاثين تعريفا للمحبة بالمعنى الصوفي ، ومن الشيوخ من يرى أن تعريفها يستعصي على العبارة للطافتها ، وصاحب عوارف المعارف ( السهروردي ) يعرف الحب بتقسيمه إلى قسمين : عام وخاص ، الأول ثمرة امتثال الأوامر واجتناب النواهي ، وهو من " المقامات " ، لأن للسالك مدخلا في اكتسابه ، والحب الثاني (الخاص ) وهو ما ينشأ من انكشافات الروح ، وهذا النوع من الأحوال ليس للعبد كسب فيه ، . أما الهروي فيعرف المحبة بأنها تعلق القلب بين الهمة والأنس " بما يعني تعلق القلب بالمحبوب تعلقا حائرا بين طلب المحب لمحبوبه طلبا لا ينقطع ، وبين أنسه بمحبوبه ، وللمحبة درجات : الأولى محبة تقطع وساوس القلب ، وتلذ الخدمة وتسلي عن المصائب ، وتنشأ من ملاحظة العبد لنعم المولى الظاهرة والباطنة ، وثبات هذه المحبة بمتابعة النبي والتأسي به ، والثانية محبة تبعث إيثار الحق على ما سواه ، وتنشأ من مطالعة العبد للصفات الإلهية ، والارتياض بالمقامات الروحية ، والثالثة تنشأ من مشاهدة جمال المحبوب وفي هذه الدرجة يختطف قلب المحب وتنقطع عبارته وإشارته ، وحقيقة هذه الدرجة : الفناء في المحبة وفي الشهود ، والمحب إذا كان واعيا بحبه ومكتسبا له سمي " محبا " ، وإذا كان مختطفا بالحب سمي " عاشقا " ، والفرق بينهما فيما يقول شيوخ التصوف أن المحب مريد والعاشق مراد ، ونظرية الحب الألهي مستقاة في أصولها من معاني أسماء الله الحسنى وصفاته كالودود واللطيف والرحيم ، ومن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحدثت عن الحب الآلهي على سبيل المثال لا الحصر ، قوله تعالى ( يحبهم ويحبونه ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم ( اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي ومن الماء البارد ) .

سكيولوجية الفن والأدب ( الموسوعة النفسية للدكتور عبد المنعم الحفني ) الجزء الأول
الكثير من الاعمال الأدبية والفنية المعاصرة يتصل بناؤها بعلم النفس وكشوفه ومجالاته بأسباب قوية ، وينصرف الأدب إلى استجلاء النفس البشرية ، وهو نفس الهدف الذي يترسمه علم النفس ، وكلما تقدمت البحوث في علم النفس فإن ذلك له انعكاساته على الكتابات الأدبية ، وخاصة في مجال الدراما بفرعيها الرواية والمسرحية ، وكانت شهرة بعض الروايات أو المسرحيات سببا في اتخاذ علم النفس من بعض أسماء شخوصها أو مؤلفيها مسميات لانحرافات أو اضطرابات نفسية اشتهرت بها ، فالسادية نسبة إلى الماركيز دي ساد الكاتب الفرنسي الذي تخصص في وصف حالات الأشخاص الذين يعانون من العنف الداخلي ، ويستمدون لذة من إنزال الألم بالآخرين ، الماسوكية نسبة إلى ليوبولد فون ساخر ماسوك أو ماسوخ ، الكاتب النمسوي الذي كانت شخوص روايته واغلة في الجنس وتجد لذة من معاناة الآلام التي ينزلها بها الآخرين ، وتشتهر العقد النفسية بأسماء بأسماء شخصيات درامية من أعمال كبيرة لسوفوكل ويوروبيدس وغيرهما ، فهناك عقدة أوديب نسبة إلى الملك أوديب ، الشخصية الأسطورية ، صاحب أروع مأساة في تاريخ المسرحية اليونانية ، وكذلك عقد أوريست ، وكليتمنسترا ، وأليكترا وجوكاستا ، وميديا ، وفيدرا ، وجميعها تناولها المسرحيون الكبار : اسخيلوس وسوفوكليز ، ويوروبيدس ، ويقتبس علماء النفس أسماء مشهورة من الأدب الأسطوري والديني مثل عقدة قابيل ، وعقدة ديانا ، وعقدة إخوة يوسف ، وعقدة سارة زوجة إبراهيم عليه السلام ، وهناك دراسات نفسية لروايات ومسرحيات مشهورة مثل مدام بوفاري لفلوبير ، ويطلقون على الحالة النفسية التي تتسم بها اسم البوفارية ، وبعض الروايات هي دراسات نفسية خالصة لاضطرابات معروفة مثل الجريمة والعقاب لديستوفسكي وكان روائيا له بصيرة نفسية نافذة ، وعلم ودراية بالنفسية الانسانية وانحرافاتها وشذوذها .

وهناك مسرحيات لكتاب مشهورين مثل هنريك أبسن أفادت من نظريات علم النفس وإن كان أبسن وغيره من الموهوبين لا يظهر تأثرهم بالاتجاهات العلمية السيكولوجية مباشرة ، وتدور معظم مسرحيات أبسن على أفكار ترتبط بالوراثة ، مثل الأشباح وعدو الشعب وبيت الدمية ، ونعلم أن الجدال ما يزال بين أصحاب نظرية الوراثة ونظرية البيئة ، حول تشكيل النفس الإنسانية وميولها ونوازعها واهتماماتها ، وكان الأدب كاشفا لخبايا النفس التي يمكن أن تحتجب عن الناس في تعاملهم اليومي بسبب الغفلة التي يكونون عليها ، حيث لا تتطلب تعاملاتهم كبير دراية بالنفس ، ويميل الأفراد إلى فهم الناس باعتبارهم أنماطا وميزة الأديب أنه أنسان يخترق الحجب وينزع الأقنعة ويعري الأشخاص وأهدافهم ويناقش قيمهم السلوكية ، ويطرح ذلك من خلال العلاقات الشخصية البيئية ، والاحتكاكات والمماحكات والصراعات وتبادل الأفكار ومطارحة الأقوال ، وإذا كنا كبشر نميل إلى تبسيط الأمور ورد الكثرة إلى الوحدة في معاملاتنا ونميل إلى التجريد والعموميات ، فإن الأديب على العكس لا يكرر الشخصية ، ويصورها متميزة ، بتفاصيلها ورغباتها وعواطفها وآمالها وآلامها وطموحاتها ، وعالم الأديب هو عالم أفراد متكثرة ، وطريقة الأدب هي الاصطفاء من الواقع واختيار ما يخدم الرؤية الفنية من الأحداث والوقائع وكل أديب ينحصر اهتمامه بالواقع وإدراكه ومن ثم له رؤياه الخاصة على عكس الإنسان العادي غير الأديب الذي تتوجه اهتماماته للواقع إلى ما يشبع حاجاته ، ويفهم من الناس بقدر ما ييسر له التعامل معهم ، بينما الأديب يدرك الأفراد لذواتهم ، ويحيط بالواقع من علاقاته بهم سلبا وإيجابا ، وإذا كان بعضنا قد يغلب على اهتمامه بالحياة الجانب الحسي العملي ، أو العقلي أو الأخلاقي أو الديني ، فإن الأديب يغلب عليه الجانب الجمالي ، إلا أنه أيضا يمكن أن يكون له أي من الجوانب السابقة ، أو أن يكون في نفس الوقت حسيا عمليا ، أو عقلانيا أو أخلاقيا أو متدينا صوفيا ، وأن تكون له إشراقات ميتافيزيقية ، ولعل ذلك يفسر وجود رسالات اجتماعية لبعض الأدباء كتولستوي مثلا أو نجيب محفوظ ، أو يوسف السباعي ، أو يكتبون بإلهامات دينية كفرانز كافكا ، وعبد الرحمن الشرقاوي ، وقد كان الكثير من المتصوفة شعراء كرابعة العدوية ، البوصيري ، ابن عربي ، أبو العلاء المعري ، الحلاج . وكما نفرق بين عالم الأديب وعالم غير الأديب ، فكذلك نفرق بين عوالم الأدباء فمنهم من يكون شاعرا أو روائيا أو مسرحيا وهذا التخصص يفسره علم النفس بأنه ظاهرة نفسية وتعويض عن طموحات ورغبات أساسية ، لم يشبعها الأديب في حياته بسبب عوائق من داخله أو خارجه . والأدب على ذلك تعويض يتسامى به صاحبه عن الواقع الغير المفهوم والمختلط والمتشابك .

من غرائب العصا ( بطون التراث )
عرفت العصا منذ فحر التاريخ ، فقد استعان بها الرجل البدائي في الهجوم والدفاع .. ثم اتخذت رمزا للقوة فأصبحت شعار الملوك وكبار رجال الدين ، واستعملت العصا المجوفة لأغراض التهريب ، فحملت فيها أول مجموعة من شرانق دودة القز إلى أوربا ، فقد كان اخراجها من بلاد الصين يعد جريمة يعاقب عليها القانون .

وكان أحد الحكام في القرن السادس عشر يثبت في طرف عصاه قطعة مدببة من الصلب ، حتى إذا ناقش شخصا ارتاب في أمره دفع بالطرف المدبب في قدمه فتظل لاصقة بالأرض ، ويضمن بذلك عدم حركته طوال المناقشة .

وقد صنعت العصا من جميع أنواع الخشب ، وأطلق على بعض أنواع الشجر ، اسم " أشجار العصا " . ويقال أن الملك هنري الثامن أول من اتخذ : العصا " في انجلترا لتعينه على المشي .

وبين مجموعة " العصى " العديدة التي كان يحتفظ بها ، عصا كانت مغطاة بالحرير ومحلاة بالذهب ، وأخرى كان أعلاها صندوق به زجاجة عطر وتحت الصندوق بوصلة ، وشاعت في ذلك الحين "عصا " لا تختلف في مظهرها عن العصى المعتادة ولكنها كانت أغمادا لسيوف في داخلها . وفي القرن الثامن عشر ، شاعت العصا حتى أصبحت من مستلزمات الوجاهة والأناقة . ويقال أن فولتير مع ما عرف عنه من عدم اكتراثه بالعصي ، كان يمتلك ثمانيين عصا .
ومع إن جان جاك روسو كان فقيرا ، فقد كان يمتلك أربعين عصا ، وفي ألمانيا ، كان لأحد الحكام ثلاثمائة عصا ، الواحدة منها تتمشى مع لونها مع واحدة من بذلاته الثلاثمائة ، وفي رأسها صندوق للنشوق .

وقد ابتكرت عصي يمكن تحويلها وقت الحاجة إلى آلات موسيقية ، ثم تطورت لتوضع بداخلها عدسات لتؤدي مهمة التلسكوب عند اللزوم ، وابتكرت عصا بداخلها سلكان يمكن حذبها من الطرفين فيثبت أحدهما في الأرض ، ويرفع الثاني في الجو ، فينجو صاحب العصا من صدمات الصواعق والرعد عند هبوب العواصف .

وفي التراث الاسلامي اشتهرت عصا سيدنا موسى عليه السلام .
من روائع مقالات نوال السعداوي
الدكتورة سهير القلماوي كما عرفتها

كنت طفلة في المدرسة الابتدائية ، حين سمعت صوتها في الراديو ، صوت قوي ممتليء يشبه صوت أم كلثوم ، إلا إنها لا تغني ، لكن تتحدث في الأدب والثقافة وتعليم المرأة .

كان الراديو في الأربعينات جهازا سحريا ( مثل الانترنت اليوم ) ، والأصوات تخرج منه شبه سحرية ، إلا تللك الأحاديث عن الطبخ والتدبير المنزلي ، كنت أهرب منها إلى الأدب والفن ، أحرك مفاتيح الراديو لأسمع أم كلثوم وطه حسين وسهير القلماوي ، قال أبي : إنها تلميذة طه حسين هو الذي شجعها ، وهي أول مصرية تدخل الجامعة .

 حين دخلت الجامعة سألت عنها ، قالوا إنها في كلية الآداب ، وكنت أنا في كلية الطب ، لم أعرف الطريق إليها ، كانت أستاذة كبيرة ومعروفة وأنا في أول الشباب ، تخرجت طبيبة وبدأت أكتب الأدب ، نشرت بعض القصص القصيرة ، وأول رواية طويلة " مذكرات طبيبة " ظهرت على حلقات في مجلة " روز اليوسف " ، في يوم دق جرس التلفون في بيتي ، جاءني الصوت القوي الممتليء الذي سمعته في الراديو منذ عشرين عاما :

" أنا سهير القلماوي قرأت روايتك في مجلة " روز اليوسف " وأعجبتني واصلي الكتابة يا نوال ..

كانت لحظة في حياتي لا أنساها ، كان صوتها الوحيد بين النساء المعروفات حيئنذ الذي جاءني ، كلماتها شجعتني على الكتابة وملأتني بالأمل ، كان أبي يقول " كلما ارتفع الإنسان تواضع " ، كانت سهير القلماوي في قمتها الأدبية ، وكنت أنا في أول حياتي ، رفعت سماعة التلفون وكلمتني ، لم تستغرق المكالمة إلا دقيقة أو نصف دقيقة ، إلا أنها بقيت في ذاكرتي أربعين عاما .

إن سهير القلماوي مثل طه حسين أحد الأعمدة الثقافية والأدبية في بلادنا ، يجب ألا تندثر أعمالها بوفاتها ، فما أسهل أن تندثر الرائدات من النساء .

إن الرواد من الرجال مثل طه حسين يجدون بعض الاهتمام من الحركة الثقافية والأدبية في بلادنا ، فهي حركة يغلب عليها الرجال بحكم التاريخ والقوة السياسية ، ولا تزال الحركة الثقافية النسائية هامشية ، تغلب عليها الصراعات الحزبية ، تميل إلى التضحية بقضية المرأة من أجل القضايا الأخرى ، لهذا السبب اندثرت أعمال الكثيرات من الرائدات المصريات ، في حياتهن وبعد موتهن .

سهير القلماوي لها مؤلفات وتستحق الاهتمام ، سواء اختلفنا معها أو اتفقنا ، إنها جزء من التاريخ لابد أن تعرفه الأجيال المتعاقبة .

كانت سهير القلماوي صديقتي وكنت أختلف معها في الرأي حول أمور كثيرة ، إلا أن هذا الاختلاف هو أساس التطور والنمو والإبداع ، وهو أساس الصداقات الإنسانية الأدبية القوية ، هذه الصداقات تنشأ بين الأنداد ذوي الرأي ، وليس بين الإمعات التابعين للآخرين ، وكانت سهير القلماوي تحترم الرأي المخالف ، لأنها كانت تحترم رأيها ونفسها ، لم تتأرجح سهير القلماوي بين التيارات المسيطرة ، حافظت على مبادئها وإن دخلت في نزاع مع ذووي السلطة ، ولم تكن مثل غيرها الذين عاشوا في كل العهود وتربعوا على عرش الثقافة والأدب والمرأة .

هل يمكن لوزارات الثقافة والتعليم والإعلام أن تبذل الجهود لتعريف الشباب والشابات في مصر بأعمال سهير القلماوي ؟! لها كتاب بعنوان " أحاديث حدتي " يمكن أن يدخل المدارس ويقرأه الأطفال من الأولاد والبنات ، ربما تتشجع البنات المصريات على مقاومة الردة الثقافية ، لا يزال تاريخ سهير القلماوي وأعمالها مجهولة عند الأجيال الجديدة في بلادنا ، أخشى أن تندثر تماما بوفاتها كما حدث لنساء غيرها ، فالضربات لا تزال توجه إلى الحركة النسائية في بلادنا تحت أسماء ومسميات دينية أو سياسية ، ولا يزال أعلب المؤرخين من الرجال الذين يهتمون بالرواد أكثر من الرائدات ، لا يزال عدد المؤرخات من النساء قليلا يعد على الأصابع ، تنشغل معظمهن بالكتابة عن الرواد من الرجال .

فهل يمكن أن تتبنى الحركة النسائية المصرية مشروعا جديدا لإحياء تاريخ الرائدات المصريات ، ومنهن الدكتورة سهير القلماوي ؟! أرجو ذلك للأبد .

المقال منشور في جريدة الإهرام ، إصدار 7 مايو 1997 .


( ماذا يعني النبي محمد صلى الله عليه وسلم للمسلمين ؟؟ )



   لا تعجب حين ترى مليار ونصف من المسلمين يذرفون الدموع وجعا وحرقة عندما يساء إلى رسولهم الكريم ، ولا تعجب حين تراهم يشجبون ويقاطعون ويتظاهرون ويستنكرون ويحتجون ، ولا تعجب حين تراهم ثائرون مثارون من كلمة قيلت في حق نبيهم أو رسومات نشرت تشوه طهارته ، لا تعجب من كل هؤلاء فهي الأمة التي بشر بها نبي الله الكريم عندما قال ( طوبى لقوم آمنوا بي ولم يروني ) ، وهم الأخوة الذين اشتاق لهم وهو في لحظاته الأخيرة عندما بكى فسأله الصحابة رضوان الله عليهم : ما يبكيك يا رسول الله ؟ فأجابهم : اشتقت إلى إخواني ؟ قالوا : " أولسنا إخوانك يا رسول الله ؟" ، قال الكريم : " لا أنتم أصحابي، أما إخواني فقوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني " ، فماذا يعني النبي الكريم لأمة المسلمين بعد أربعة عشرة قرنا من وفاته ؟ وأي قوة نورانية هو تعبر التاريخ والقرون لتوجه وتعلم وتؤثر وتلهم الحضارات والأمم إلى الآن ؟ فيختاره ( مايكل هارت ) ، صاحب كتاب ( مائة رجل في التاريخ ) ليكون الأول لأعظم وأهم شخصية في التاريخ البشري ، وليمتلئ المهاتما غاندي أبو الهنود شوقا ولهفة لمعرفة الرجل الذي قال عنه " أنه امتلك قلوب ملايين البشر " ليضيف قائلا بعد أن انتهى من قراءة السيرة النبوية : " تمنيت لو أن سيرة النبي محمدا فصولا وأجزاء لا تنتهي " ، وليقول بعدها المستشرق الألماني( تريلي سانت هيلر ) في كتابه ( الشرقيون وعقائدهم ) متأثرا : " أن في شخصيته صفتين هما من أجل الصفات التي تحملها النفس البشرية : " العدالة والرحمة " .فكان عادلا ورحيما مع معاديه قبل صحابته وتابعيه ، فنقرأ بين دفتي سيرته يوم شجت وجنتاه وكسرت رباعيته ودخل المغفر في رأسه قال : (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) وأكثر من هذا عندما أيده الله بالنصر على فلول مشركي مكة ، فقال لهم : ما تظنون أني فاعل بكم ؟ فقالوا : خيرا . أخ كريم ، وابن أخ كريم ، فقال : " اذهبوا فأنتم الطلقاء " وأكثر من هذا لما جذبه الأعرابي بردائه جذبة شديدة حتى أثرت في صفحة وقال : احمل لي على بعيري هذين من مال الله الذي عندك فإنك لا تحمل

من مالك ومال أبيك . فقال: المال مال الله وأنا عبد الله ، يقاد منك يا إعرابي مافعلت بي)فقال الأعرابي : لا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لم؟)قال : لأنك لا تكافىء السيئة بالسيئة فضحك صلى الله عليه وسلم، فكان متسامحا وعافيا ، وهو أكثر من هذا في غزوة بني قينقاع جاءه رجل وهو نائم حتى قام على رأسه بالسيف فقال : ما يمنعك مني ؟ فقال " الله " ، فسقط السيف من يده فأخذ رسول الله السيف ، وقال : " من يمنعك مني ؟ " فقال : لا أحد ، فتركه الرسول ليعود لقومه قائلا لهم : جئتكم من عند خير الناس ، وهو أكثر من هذا حين صرخ رجل عليه في قسم قسمة : هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ، فاحمر وجه ، وقال : " رحم الله أخي موسى قد أوذي بأكثر من هذا وصبر " ، وأكثر من هذا يوم خيبر جاءته يهودية بشاة مسمومة ... فجيء بها إليه فسألها عن ذلك فقالت : أردت قتلك ، فقال : " ما كان الله ليسلطك علي " ، قالوا : ألا تقتلها ، قال " لا " . وهو أكثر من هذا حيث تتبدى أخلاق الحرب ظاهرة في توصيته المستمرة لجيوشه فعن أنس بن مالك – رضى الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا بعث جيشاً قال : ( انطلقوا باسم الله لا تقتلوا شيخاً فانياً و لا طفلاً صغيراً ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور) ، وعندما رأى الرسول امرأة مقتولة وعلم أن قاتلها خالد بن الوليد، أرسل إليه من يقول له: "إن رسول الله ينهاك أن تقتل امرأة أو وليداً أو عسيفاً"، وعندما رأى امرأة مقتولة في مكة قال: "ما كانت هذه تقاتل" ونهى .

   فتتجلى صورة النبي في عقل المسلم كمجموعة من القيم الأخلاقية الإنسانية المثلى والمواقف السلوكية الراشدة ، التي لا تختلف عليها ديانات الأرض والسماء ، ولا تعاديها أو تستغربها الفطرة السليمة في أي مكان وزمان ، وهذا ما أشار إليه كبار كتاب ومؤرخي العصر الفيكتوري توماس كارلايل في كتابه ( الأبطال وعبادة الأبطال ) حين قال : ( أن رسالة هذا الرجل ( محمد صلى الله عليه وسلم ) صوت نابع من الفطرة . وإن الناس يصغون وينبغي أن يصغوا إلى هذه الفطرة كما لم يصغوا إلى شيء آخر ) ، وقد كانت رسالته كما وصفها (سنرستن الآسوجي ) أستاذ اللغات السامية في كتابه ( تاريخ حياة محمد ) بأنها : (معركة الحياة الصحيحة في وجه الهمجية والجهل ) ، فالنبي بدأ وحيدا وانتهى إلى إمبراطورية كبرى ما زال تاريخها في ماضيه يبلسم جراح حاضر المسلمين اليوم ، كان عظيما وبطلا ومحررا لعقول بشرية كانت تسجد لحجر وتمجد حجر ا وتضطلع في شؤون حياتها بحجر ، حمل في مضامين رسالته الخير والمكأفاة للمؤمن التقي الذي يتعايش مع أفراد مجتمعه بنية بيضاء فأرسى بذلك دعائم السلام الاجتماعي ، علمنا المحبة في كفالة اليتيم وصلة الرحم وومراعاة الجار والتماس العذر سبعين مرة لمن أخطأ في حقنا ( فمثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) ، علمنا العطاء للمسكين والسائل والمحروم وابن السبيل ولو كنا في خصاصة ، علمنا الرأفة والرحمة بالمستضعفين ، علمنا الصدق في القول والعمل ( عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ) علمنا الرفق بالفقراء والعجائز والإحساس بالآخرين ( فالله رفيق يحب الرفق ، فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه ، ومن يحرم الرفق يحرم الخير كله ) ، علمنا الرفق بمخلوقات الله الأخرى ، الرفق بالحيوان ( اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة ، فاركبوها صالحة ، وكلوها صالحة ) ، علمنا التواضع والحلم والعفو والأمانة والوفاء والكرم ، علمنا التفاؤل (فلا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل، وقالوا: وما الفأل يا رسول الله ؟ قال: الكلمة الطيبة ) فالبشاشة والايجابية أدام العلماء وسجية الحكماء ، علمنا الإحساس بما نفعله ( فمن سرته حسنته أو ساءته حسنته فهو مؤمن ) وأن لا نجزع ولا نخاف إن أخطأنا فبإمكاننا أن نبدأ من جديد ، فالله سبحانه وتعالى يفتح أبواب السماء للتائبين ( يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، فكل ابن آدم خطآء وخير الخطاءين التوابون ) ، علمنا حب العمل والعلم ( ففضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وأن الملائكة لتبسط أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع ) فلم يحارب العلم ،ودينه لم يورثنا العقد النفسية التي أورثتها البابوية ومحاكم التفتيش وسلطة الكنيسة في القرون الوسطى ، فكان من أهم إرهاصاتها العلمانية ، هكذا كان نبينا وهكذا أحببناه وأحببنا التجمل بحسن الخلق ( فأكمل المؤمنين إيمانا ، أحسنهم خلقا ) ، هكذا في نهج النبي وفي فكر النبي " صناعة الإنسان الأعلى " ( الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) ، فبعد النبي محمد ، صرنا نبحث عن أنفسنا وحقوقنا داخل منظمات حقوق الإنسان ومحاكم العدل الدولية وهيئة الأمم المتحدة حتى نبرهن على أنا لسنا إرهابيين ؟



بين الدرويشين والنزاريين

في حديث شيق جمعنا حول شخصية " شهرزاد " ، تلك الشخصية الأسطورية الخيالية ، التي تتمتع بصفات أنثوية خارقة ، فهي ذات مال وجمال وغنج و دلال وثقافة وأدب ، وحسب ونسب وحكمة تستدعي عجب ، نموذج لامرأة تتجلى عبقريتها في ترويض فحولة ثائرة منتقمة ، بأسلوب لا يخالف طبيعتها النسوية ، وجدته يقفز فجأة ليكلمني عن نزار قباني ، مرددا لأعذب قصائده في المرأة وحب المرأة ، ملقيا لها تارة ، ومغنيا لها تارة أخرى ، مندهشا أمام اللغة السهلة الممتنعة وما يغلفها من عذوبة ورقة وحب يتفصد من الكينونة وجذور الإحساس ، استعذبت حديثه عن نزار ، فوجدتني معه أردد روائعه وأنا استطعم حلاوة النص كقطعة شوكلاته ، لا تتمالك نفسك بمجرد أن تنتهي منها إلا أن تقول عنها : " لذيذة ، لذيذة جدا ، كيف صنع نزار هذا ؟" ، قصائد مجنونة ومتوحشة ورومانسية وفاضلة وعربيدة ومقامرة ، تجعلك تجوب في غنائياته لتستلهم الحب من كل الأشياء والموجودات التي تحيط بك ( من فناجين القهوة ، وقطع السكر ، وأطواق الياسمين ، وأضواء السيارات ، ومن قطرات المطر والقطارات ، ومن أسراب الحمام والطواويس والعنادل ، ومن اللوز والخوخ الأحمر والزيتون وقطع الحلوى ، ومن لعب الأطفال والهدايا ، ومن محابر الأقلام والدفاتر ، من الصحف والجرائد ،ومن كل الفصول ) وكأنها نوتات موسيقية مرتبة لسيمفونيات نزارية خالصة ، تجوب بك في المدن والشوارع والقارات والعواصم والممالك وبلاطات السلاطين والتواريخ والأحداث الكبرى بلغة لا تعرف في أي عمر هي ، أفي مرحلة طفولتها أم شبابها أم شيخوختها ، بروح أرضية تتطلع إلى أفق الحضارات والسمو والارتفاع إلى الأعلى ، إلى أعلى نقطة يمكن أن تصل إليها بشريتنا المتناقضة والمتضادة .

(برغم جميع خلافاتنا

برغم جميع قرارتنا

بأن لا نعود

برغم العداء .. برغم الجفاء

برغم البرود .. برغم انطفاء ابتسامتنا

برغم انقطاع خطاباتنا

فثمة سر خفي

يوحد ما بين أقدارنا )

قلت له بعد جلسة مطولة في الحديث عن نزار : بأني درويشية النزعة والخطاب ، ومع إعجابي الشديد بالنزاريات إلا أني درويشية التوجه ، حيث الكون والإنسان والأبدية هو الثيمة الأساسية في الرؤية الشعرية لمحمود درويش ، ينسج شعريته من الأفق الرحب والفضاء اللامتناهي واللائنتماءات ، فلا تعرف لشعره وطنا ولا جنسية ولا مستطيلات ولا مربعات ولا دوائر ولا حدود ، سفر طويل لا ينتهي عند عتبات الأشياء ومعانيها الظاهرة المعبئة بالعواطف ، لغة لا تكتب الشعر ، ولكن الشعر يكتبها ويترصدها ، المعنى فيها محتمل الحضور والغياب والاقتراب والابتعاد ، لغة فريدة وغريبة التصنيع عن موطنها ،لغة تبتعث الألوان والاشتمامات ، تتيهه بين الغابات والأنهر والسماوات والأفلاك والنجوم والفراشات والحلم والبحر والرمل و الكمنجات والليل ، تتداخل فيها الأزمنة لتتنقل بين أمسها وحاضرها ومستقبلها حرة من غير قيود ، لها مسحة التراتيل والقداس ، منبعها حكمة الوجود والولادة والعدم ، ليكتب لها ألا تنتهي ، وتبقى جداريات محمود خالدة .

من ديوانه الأخير ( لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي ) :

( لاعب النرد )

( من أنا لأقول لكم / ما أقول لكم / وأنا لم أكن حجرا صقلته المياه / فأصبح وجها / ولا قصبا ثقبته الرياح / فأصبح نايا .... / أنا لاعب النرد ، أربح حينا وأخسر حينا / أنا مثلكم / أو أقل قليلا ... / ولدت إلى جانب البئر / والشجرات الثلاث الوحيدات كالراهبات / ولدت بلا زفة وبلا قابلة / وسميت باسمي مصادفة / وانتميت إلى عائلة مصادفة / وورثت ملامحها والصفات وأمراضها : أولا – خللا في شرايينها ، وضغط دم مرتفع / ثانيا – خجلا في مخاطبة الأم والأب والجدة – الشجرة / ثالثا – أملا في الشفاء من الانفلونزا بفنجان بابونج ساخن / رابعا- كسلا في الحديث عن الضب والقبرة / خامسا – مللا في ليالي الشتاء / سادسا – فشلا فادحا في الغناء ... / كان يمكن أن لا أكون / كان يمكن أن لا يكون أبي / قد تزوج أمي مصادفة / أو أكون / مثل أختي التي صرخت ثم ماتت / ولم تنتبه / إلى أنها ولدت ساعة واحدة / ولم تعرف الوالدة ) .......





الرئة المعطلة
 "أنت اليوم حيث أوصلتك أفكارك وستكون غداً حيث تأخذك أفكارك "



جيمس ألان


لست باحثة ، والكثير من قضايا الشرق أصبحت لا تعنيني لأنها بحكم الإيمان بالقضاء والقدر تبقى قضايا للشرق له وعليه ، أعيش كفايتي على السطح منذ أن أدركت أن لقمة العيش هي همي الأول ، وأن الفناء والتفاني لرغيف خبز وحفنة قمح هدفي الأول ولو برهن عقلي الناقص ، وحتى وأنا أكتب هذا المقال ، تأكدت مرارا وتكرارا قبلها من أن باب غرفتي محكم الغلق ، رغبة مني في محاولة التنفس تحت الماء ، وصدقا لم اتخذ قرارا بعد هل أذيل مقالي باسمي الحقيقي ، أم باسم مستعار فأنا أخشى على نفسي كثيرا المحاسبة والحساب ، وإن واتتني شجاعة التعبير ، فلا أثق كثيرا في قدرتي على مواجهة ما لا يمكنني تحمله ، وفي ساعتي هذه أدلي باعتراف فاضح وأخصه لي وأنفي عنه صفة العمومية حتى لا أتهم في غيري ، ما الذي يراد مني في الشرق ؟ ما الذي يراد؟المرأة هذا الكائن المكبل بالاتهامات منذ بداية الخليقة ، فهي أصل الخطيئة يوم خلقها الله من الضلع الأعوج ،وكأن الضلع الأعوج هو رمز لكل فعل شائن ومنحرف ، تجاوزت المشيئة في استئناس آدم بها لتخرجه من الفردوس بعد أن طمعها الشيطان في الملك والخلد ،فغررت بالعبد الذي علمه الله الأسماء كلها . فذاكرة التاريخ الذكورية لم ترحم المرأة ولم تجد التحرج في إلقاء عبء الخطيئة عليها ، ونفض كاهلي آدم منها ، ولم تتردد تفاسير الأئمة كالقرطبي والطبري ، ولا الميثولوجيات القديمة في تدغيم الإلصاق وتأكيده ، بل ذهب بعضهم كالإمام الغزالي ليرى في طمث المرأة ، ونفاسها ، ونقصان ميراثها ، وتزوج زوجها عليها ، ولزمها بالمحرم ، وفرض الحجاب عليها ، وكون الطلاق في يد غيرها ما هو إلا عقوبة سماوية جريرة الإثمية الأولى ، ونكاحها رق .

 وطاعة الزوج عليها مطلقة في كل ما طلب من نفسها مما لا معصية فيه ، وهي عورة في مجملها يجب حجبها وإخفاءها ، ولتكن من الحيوانات "كالغنمة " نافعة في كل شيء ، فهي وإن أتت ما أتت من صالح الأعمال فنصيبها قسم واحد في الثواب من ألف قسم باقيه للرجال ،ومع المخافة النصــــية القرآنية لكل الروايات لتي سربلت المرأة بالخطيئة ، والتي أوضحت تعرضهما للغواية معا ، ووقوع العقوبة لكليهما ، وتلقي آدم بعدها التوبة من ربه وحيدا نادما متحسرا . كان ينبغي للمقيدين للتاريخ أن يحددوا لآدم النصبية الأكبر من الذنب فهو مـــــن ابتدئ به الخلق وهو من علم ، وهو من شرف بسجود الملائكة عليه ، وحواء مــــــا هي إلا انشقاق ضلع من أضلاعه ، ومع ذلك لم يتوانئ المسجلين في تنقية آدم من الخطأ ، وأنه تعرض للدز والتحريض من طرفين هما الشيطان وحواء ، لتصبح المرأة بعدها قرينة الشيطان ، ونصف جنده ، ونصف سهمه ، ورسوله في حاجته "فما آيس الشيطان من امرئ إلا أتاه من النساء" ، و"النساء يعرفن أكثر من الشيطان فلا تأمن المرأة ولو كانت ميتة " ، " وإذا عجز الشيطان في مهمة أوفد امرأة " ، " وما لا يقدر عليه الشيطان تقدر عليه المرأة" ، "وحيثما ذهبت تبعها الشيطان" ،" ليصل الأمر إلى أن " للشيطان صورة تشبه المرأة" .ولقد وجد البعض الذريعة التي من خلالها يواصل حق الاستلاب والانتقاص من قدر المرأة ، مستغلا الخطاب الديني في الإساءة إليها ، والتحقير من شأنها ، مخولا لنفسه الحق في تقويمها ، وزجها داخل إطارا فقهيا وفيلولوجيا يحدد كيانها ، ويضيق وجودها ، ويحكم على درجة صلاحها وفسادها ،فالمرأة ناقصة دين وعقل ، " فلا يكتمل وجودها إلا برجل ، الذي تكتسب منه قيمة حياتها ، بحيث يداري بعقله أخلاقها ، ويوجه طيشها وسففها " ، ويقول ابن كثير في هذا المقام " المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي منذ تكون طفلة، وإذاخاصمت فلا عبارة لها فهي عاجزة عيبة ، فالأنثى ناقصة الظاهر والباطن فيكمل نقص ظاهرها وباطنها بلبس الحلي ، وأما نقص معناها فإنها ضعيفة عاجزة عن الانتصار ، لا عبارة لها ولا همة " ، فالحلي مادة تكمل النقص وتجمله ، ولكنها مع ذلك لا تسد مجمل النقص ولا تحجبه، ونصف أهل النار من النساء ، وأكثرهن حطب لجهنم ، مكفرات للعشير ، والمرأة فتنة من أكثر ما يخاف منها على الأمة ، فهي تحمل من الشهوة تسعة من أصل عشرة أجزاء عاشرها للرجل ، فهي متاع وأداة إشباع ، ويورد بعضهم من الأحاديث والأقاويل ما يؤسس لفكر مشوه حول المرأة في الإسلام ، فيعطي بهذا الفرصة للهجوم على الإسلام من خصومه ، ووصمه بالرجعية والتخلف من خلال تعامليته مع نسائه ، فتنشق الحناجر عن مطالبات بالتحرير والمساواة فوق ما تحتمله المرأة نفسها ، والأمر أشبه بجر الوبال – وللأسف من أهله - على دين عرف على أنه دين الرحمة والمحبة والتسامح والإنسانية والمساواة .ونسبت للرسول الكريم أحاديثا كثيرة تتنافى مع مبادئ الإسلام السمحة ، فتظهر النبي الكريم في مواقف عدائية وتميزية استعلائية ضد المرأة ،وتظهر المرأة في صورة لا تليق أن
تظهر بها مسلمة حاربت وناضلت وكانت صاحبة فضل كالرجل في نشر الدعوة والإيمان بالرسالة ، فربطت بحالة من الاستعباد المطلق المشرعن ، حتى ممارسة العبادات فهي بحاجة لإذن الرجل " لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه ، وما أنفقت من غير أمره فإنما يؤدى إليه شطره " ، وفي رواية أخرى " ولا تعطي شيئا من بيته إلا بإذنه ، فإن فعلت كان له الأجر وعليها الوزر " وبلغ التشديد على طاعة الرجل حتى قارب أمر السجود له ، فلما قدم معاذ بن جبل من الشام سجد للنبي ، فقال : ما هذا؟ قال : يا رسول الله رأيتهم يسجدون لبطارقتهم وأساقفتهم فأردت أن أفعل ذلك بك . قال : لا تفعل فإني لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد ، لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها . والذي نفسي بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها" ، وفي أمور المتعة والجنس ، فالمرأة لابد أن تكون مهيأة في أي وقت شاء الزوج ، وينبغي ألا تتمنع وتمنتع عند إتيانها وإلا وزرت، " وإذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه لعنتها الملائكة حتى تصبح " ، " حق الزوج على زوجته إذا أرادها فراودها على نفسها وهي على ظهر بعير لا تمنعه" ، "حق الزوج على زوجته ولو كان به قرحة فلحستها ، وانتثر منخراه صديدا أو دما ثم ابتلعته ما أدت حقه " ، وفي وجوب مخالفة رأي المرأة ومشورتها ورد " شاوروهن وخالفوهن " ، وغيرها من المتون والأسانيد التي وضعت ديننا الإسلامي في دائرة المس والشك . وإنا من العجب حين نراجع التاريخ الإسلامي فنجد أن من المواقف ما يدين ويشجب هذاالتواطؤ التأريخي والأيدلوجي الموجه ضد المرأة ويضاربه ، فأول من آمنت بالرسول الكريم ودخلت الإسلام كانت امرأة ، ولم تعدم مشاركة المرأة في التنظيم السري في دار الأرقم بن الأرقم بعشر نساء ، وكان لها حضورامشرفا في بيعة العقبة الثانية بعدد امرأتين ، فلم يقصها الرسول من المشاركة في الدعوة كما حدث في بعض الثيوقراطيات الدينية ، وفيما يخص نظام التشاور والمشاورة ففي السنة النبوية ما يهدم قاعدة " شاوروهن وخالفوهن " ، فلا تزوج المرأة المسلمة إلا بعد التشاور معها ،وقد رد الرسول الكريم الكثير من العقود التي تمت دون رغبة البنت ، وقد أخذ برأي أم سلمه في صلح الحديبية عندما رفض الصحابة ذبح هديهم وحلق رؤوسهم للتحلل من الإحرام نتيجة ما شعروا به من إجحاف في الشروط ، وقراءة مستفيضة ومتأنية ومتفحصة لحياة كثير من الصحابيات لنجد الكثير من النماذج التي تكشف أن المرأة في الإسلام ظهرت بشخصية سياسية وفكرية وثقافية واجتماعية ودينية وقيادية وكان لها مشاركة في شتى مجالات الحياة في ذلك الوقت .نصل ختاما إلى أن واقع المرأة في العصر الحديث ظل رهن هذه الصراعات والتناقضات والموروث الفكري البغيض ، وعلى الرغم ما يشهده العالم من تقدم وطفرات ، ما زالت الكثير من الأذهان والذاكرات البشرية الذكورية تحتفظ بهذا الإرث وفق ما يخدم مصالحها ويحافظ على تفوقها ، رغم أن جيوب التاريخ لا تؤكد هذا التفوق لما ضم من حقبات زمنية تسيدتها إناث، وقبول تفوق المرأة ليس من الأمر السهل ، وليس من الأمر المألوف ، فهو فوق العادة مهدد بجملة المعايير والعادات والتقاليد والأصولية المحرفة ، ومع أن المجتمع الذكوري الآن أصبح لا يمانع في تعلم المرأة ، وخروجها للعمل ولكن استمر في تحفظه لتقبل ذلك على شكل محددات وفرائض على نوع العمل والتعليم ، ليس مشترطا نجاحها أو تميزها ولا يعول عليه إلا في نطاقات محدودة ، مما أفقد المرأة الثقة في نفسها وفي دورها ، وحد من مشاركتها لتنتهي عند فكرة المكان الطبيعي والعقل الناقص ، متعرضة لكثير من الانتقاد والبطش في أي محاولة حرف لوظيفتها الأساسية المتعارف عليه ، ومثلما تولدت فكرة الوأد عند الجاهلي دفعا للعار المحتمل حصوله ، يظهر الوأد بأشكال لا حصر لها في المجتمعات الشرقية الحديثة لنفس الخوف والتهيب مع اتساع أغراضه ، وكما رأى برنارد شو في أن الرجل الأبيض نجح في إقناع الزنجي الأسود بأنه لا يصلح إلا لما يقوم به من أعمال ، أقنعت المرأة بحيز تواجدها ، والهيراركية الطبيعية لمسار حياتها ، وهذا ما يفسر محدودية مشاركتها داخل المجتمع ، وما يؤخر تطور وتقدم المجتمعات العربية ، وما زلت المرأة العربية تعاني من أزمة الرهاب الاجتماعي ، حيث يعتمد على الشكلانية فقط في عكس صورتها الحديثة أمام الآخر ، ومن خلال منظومة الأخلاق السائدة ، نجد أن المرأة في تقييم أدوارها داخل مؤسسة المجتمع يخضع لهذه المنظومة المتحيزة للرجل ، والمشككة في قدرات المرأة ونزاهة ظهورها ومشاركتها .



__________________



" قال : أولم تؤمن ؟ قال : بلى ولكن ليطمئن قلبي "

التوجيه المهني رؤيه الى الأمام
التوجيه المهني إشراق وتفاؤل

قد يثيرك موقف ما تساؤلا وتعجبا ، كأن ترقب كفيفا يمسك بعصاه ويتلمس بها مسلكا آمنا ، يضع كل ثقته في هذه العصا / الموجه ، والتي يدرك يقينا أنها ليس بها من خصائص الكائن الحي شيء ، كما أنها لا تملك عينين تبــصر من خلالهما طريقه ، فهو أعمى وهي أشد قتامة في العمى منه ، ومع ذلك سيزيدك غرابة إيمانه المطلق بأنها هي من سيقوده إلى بر الأمان دون تأفف أو ضجر ، فتصبح بمرور الزمن والملازمة أشبه بكائن حي ، تسللت إليه روح بصيرة هذا الكفيف ، وروح رضائه ورغبته في أن يعيش الحياة بأي كيفية شاء أو شاءت ، لتجعله في نهاية المطاف متكيفا مع وجوده وسعيدا ، وقديما قيل ( أعمى يقود أعمى ) ، إلا أنني أرى خلاف ذلك ، مما يجعل الأمر في ذهني ( الأعمى والعصا ) صورة متكاملة ومعبرة وعميقة وحتى طبيعية ، فلا غرو أن يجد موسى في عصاه ما هو أبعد من ظاهرها ، ليحقق هدف الرسالة الإلهية ، وهدف الإيمان برب واحد .

وكي تقطع شارعا مظلما في ليلة ليلاء ، تعلم أنك بحاجة إلى مصابيح تضيئه لك ، فتذرعه وأنت آمن ، مطمئن النفس لأن كل ما هو أمامك ببساطة يكون متضح الرؤية وجليا ، وهذا بدوره يدفعك إلى مواصلة القيادة دون أية خوف أو قلق من الاصطدام أو الانحراف عن المسار الصحيح ، فقبل أن ينير المصباح الشارع ، كان قد أنار ما هو أهم من ذلك في جوانيتك ( داخلك ) كالثقة ، الطمأنينة ، ودافع المواصلة لبلوغ النقطة المحددة ، والحال ذاته ينطبق في استخدامك لخريطة أو بوصلة لتصل إلى وجهتك المقصودة ، أو تتعرف على الاتجاه الصحيح ، ومن هنا يعنينا كثيرا أن نجد من يوجهنا ، ويقوم بدور الدليل والمرشد الذي يأخذ بأيدينا في هذا العالم المتنامي والهائل فما بالك لو كان الإنسان نفسه ! .
وفي مختلف مراحل حياة الإنسان هناك دائما ما تبرز حاجته إلى من يوجه ، سواء كان هذا التوجيه توجيها ذاتيا ، أو توجيها من قبل الآخرين الحريصين عليه ، كما أن الإنسان لا يصنع نجاحه بنفسه فقط ، بل هو دائما يحتاج إلى مساعدة الآخرين لتحقيق ذلك ، يحتاج إلى تجاربهم ، إلى أفكارهم وأرائهم ، إلى أدواتهم ، إلى مساندتهم ، وإلى وجودهم من حوله ، وكوننا في الميدان التربوي ، يأخذ الطالب منا نصيب الأسد من الاهتمام والرعاية والحرص ، فهو اللبنة الأساسية لفكرة بناء الوطن الصالح والناهض ، فنسعى إلى توفير كل ما يمكن أن يذلل الصعاب أمامه ، ليحدد هدفه بثبات ويعي مستقبله ودوره ، ويزيل الضبابية التي يمكن أن تحجب عنه آفاقه وتطلعاته ، وخدمة التوجيه المهني من الخدمات الجليلة والتي تعتبر فاتحة خير على الطالب وبشرى تدفعه للتفاؤل والمضي قدما نحو تحقيق المرامي والأهداف ، فهي تنهض به ، وتضطلع بمسؤوليته ، تشرح له ما يدور حوله ، وتعرفه موقعه في خضم التغيرات والتطورات السريعة التي يشهدها العالم ، فلا يخشى من التجديف في بحر مهما بلغ اتساعه وعمقه .
والتوجيه المهني يولد التفكير الإيجابي السليم ، والتخطيط الجيد الذي يمكن الطالب من الحصول على كل الفرص المتاحة له لبناء مستقبله ، وتفعيل طاقاته ، فالطالب بأي مهارة يمتلكها ، وبأي هواية ، وبأي قدرة ، أو معرفة ، يستطيع أن يخلق فرصة العمل المناسبة له ، متجاوزا العقبات والعوائق التي قد تقف حائلا دون تقدمه الفكري والنفسي والعملي ، فهنيئا لطلابنا الأعزاء ما يلاقونه من الرعاية لمستقبلهم المهني ، وقد تعلمنا منذ الصغر أن أركان الإيمان ستة تتمثل في إيمان الإنسان بالله ، ورسله ، وملائكته ، وكتبه ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره ، أضف إلى ذلك إيمان الإنسان بذاته وقدراته في تحقيق المستحيل وهو متحليا بروح الإرادة والعزيمة والتفاؤل ، وكما يقول روبير كولييه " لا يوجد شيء واحد أنت عاجز عن الحصول عليه في هذه الدنيا ما دمت مقتنعا ذهنيا بإمكانية الحصول عليه " .

زوار مجرتي

free counters
تعريب وتطوير حسن